أريتريا: هل آن للطائر أن يغرد في سربه؟


أريتريا: هل آن للطائر أن يغرد في سربه؟

عدسة: حسين لاري

ليس من سمع كمن رأى. وجدتني أستعيد هذا القول العربي القديم، بينما كانت الطائرة تنطلق صاعدة من مطار أسمرة الدولي، لتبتعد المدينة الجميلة الناصعة وتتضاءل بيوتها رويداً رويداً، قبل أن تتكفل كتل السحب القطنية ببياضها البهي من افتراش الأفق وحجب الرؤية تماماً، حارمة أعيننا من متعة النظرة الأخيرة لتلك المدينة ذات السمرة المشعة.

من بعيد، وتحديدا من آلاف الأميال كانت الغشاوة مضللة، ولعل ذلك ما دفع الرعب إلى القلوب عندما كنا نتأهب للسفر إلى ذلك البلد الإفريقي الواقع في تلك المنطقة التي تصحو على حرب وتنام على مجاعة، وتتكفل الأوبئة بقتل أبنائها وتحصد الأسلحة الفتاكة ما تبقى منهم بالصدفة أحياء. كانت قائمة التحذيرات طويلة من الأمراض المعدية والمأكولات والنظافة والحشرات السامة وتلك الناقلة أو المسببة لخطر قد لا يزول إلا بزوال المصاب به، ولم تكن القائمة وحدها هي التي تسبق السفر، فخطر الذهاب إلى منطقة مثل القرن الإفريقي مبتلاة بأشرس أنواع الحروب الأهلية والحدودية والنزاعات القبلية. والقتل العشوائي، كانت له وحده قائمة منفصلة، كان الأمر بالفعل مخيفاً، خاصة أن التحذيرات كانت تشير إلى أمراض قاتلة وشح في المواد الغذائية ومياة الشرب والأمان.

لم يكن الأمر مشجعاً إذن، ما دفعنا إلى التساؤل حول السبب الذي يدفع “العربي” للذهاب إلى أريتريا، حيث لا يرد من هناك ما يبهج النفس، ولا تاتي إلينا الأخبار إلا بتعداد متصل لقتلى تضافر الجوع والحرب في حصد الالآف منهم، وحيث أخبار القتال الدامي الذي شهدت معه الجبهة الأريترية – الأثوبية الطويلة ثلاث جولات شديدة البشاعة من القتال خلال عام وربع العام.

من التحقيقات التي تقوم بها “العربي” في جميع مناطق العالم، خصوصاً أن الأنباء عن وجود إسرائيل في ذلك البلد الإفريقي بخبرائها وعسكرييها قد أخذت في الآونة الأخيرة حيزاً كبيراً من مساحة الإعلام في المنطقة العربية وفي العديد من وسائل الإعلام الدولية التي أعطت جميعها إيحاء بأن أريتريا تحوّلت إلى قاعدة للموساد. ولكن هذه المرة أيضاً، كان لابد من الذهاب، حيث الرؤية “أصدق أنباء من الكتب” على حد قول شاعرنا أبي تمام. عندئذ حملنا أغراضنا وبعض المأكولات على أكتافنا، وتجرعنا ما تيسر لنا من تطعيمات، وتوكلنا على الله.

زكريا عبدالجواد

أضف تعليق